الجمعة، 4 سبتمبر 2015

" هُتاف لاجىء في جرح أسير "


وقفتُ في الصحراءِ عاريّاً من كلّ شيءٍ إلا الصمت كان يخترقُني كصوتِ الريح حين تعوي في داخلي ،إنه المنفى القصيّ الذي قذفني من زمنٍ إلى زمنٍ آخرٍ حيث صرتُ أرى الوطن من بعيدٍ أقرب ، أحسّهُ ، ألمسهُ بين أصابعي ، كلّ الوطن في داخلي ، وفي كلماتِ هذا النص ، كلّ ما يدورُ ، كل ما يحدثُ من ظلامٍ ونارٍ على ترابِ الأرض ، أرضي كان يشتعلُ في نفسي الأسيرة في سجنها الصحراويّ الخاص قلتّ مرةً : هم سبايا في التّرابِ ونحن سبايا في المخيمات والشتاتِ على الحدود التي ما زالت مقفلة ، لا أحد يقترب ، لا أحد يرانا من خلف أسلاك الموت ، فرحتُ أهتفُ خاشعاً لليل السجون وقهر البلاد وكلّما شعرتُ بلسعةِ الجرحِ أكثر ، ذرفتُ دمعاُ على جوعِ الأسير الطويلِ في زنازين الأرضِ أمام عدوٍّ وحشيٍّ وصديقٍ أعمى من قريبٍ من بعيد ، كلّ أسيرٍ ينزفُ في فمهِ ملح الحياة ،وتمرُّ الأسماء من هنا ومن هناك ، إلى متى سأظلُّ هنا ؟ ويظلّ الزّمان يشبه الغابة وأظلُّ وحدي في مرايا الصحراء والخوف من الحاضر والماضي وما تبقى من جراحي ، إلى متى أسألُ الريح والصمت معاً ؟ حيث اختفى كلّ شيءٍ حتى نزوحي من خيمةٍ إلى خيمةٍ في الهباءِ والدمارِ وغموضِ المصير ، أين أنا ؟ وأين الفصول ؟ وكنتُ أحبُّ الخريف والصيف حيث سطوع الشمس التي كنتُ أقرأُ فيها فجر القدس الأول فأُصاب بلوعةِ الإحتراق والاستياقِ للعودةِ إلى ذاتي وإلى حلمي المنشود ، لماذا كلّما التفتُ إلى نواحي الشروق سقطت دمعتي وازدحمت نبضاتي في عشقها الأول للصلاةِ والانسجامِ على المكان الغائبِ عن أضلاعي والحاضرِ في ثناياي ، كنتُ واقفاً ولم يغب عنّي سوى صورتي في عويل الأشياء ، حلمتُ ثانيةً بأنّ حرّيّتي تأتي وتذهب في خضمّ الأسئلة عن التاريخ والنكباتِ ، تعبرُ من أمامي واحدةً ، واحدةً ،" نهر البارد "" اليرموك "فلسطين " باب الشمس " عواصف في الربيع وأمنيات الحصان للصعودِ إلى سفح الكرمل ، وأغاني جدّي البسيطة عن " الغابسية " في قضاء عكّا المجروحِ بالشوكِ والمستوطناتِ والمدفون حيّاً في رمادِ الأرض ،أمدُّ يدي لكي أعيد الصورة فتهربُ فجاءةً من منامي إلى كوابيسي ، استيقظتُ ملوّناً بالأصفرِ والأحمرِ وتذكّرتُ لون الضوءِ، يا ليتهُ يعود ، ما أجمل قرّيتنا ، وما أصعب التّأمل من شرفة الغيبِ على غيومِ الصحراءِ ،كلّ شيءٍ اختفى وبقي المنفى يلعب في الأفكار والهواجس ، رسالتي الشعر أدافعُ فيها عن عدالة قضيّتي ومفتاح جدّي وأسرى الشتاتِ وروح المرابطين في ليل الصمود حتى السماء تبعث نورها إلى الأرض ، ويعمُّ السلام ، سلام الله على درب المسيح عليه السلام ، أواصل سيري في مسيرتي نحو الآلام والاعترافات في حضرة الشمس ، جوعي وعطشي كالذين رأيتهم في القيود والحصار المرير في أسطورةٍ فلسطينية الملامح والايقاع تكبرُ فيهم وتحملهم ، أعلى ثمّ أعلى ، كيف يجوعون وتملأ أمعاءهم صورة القدس من بعيد ، كالأم الحنون وحدها القدس ، وحدها فلسطين تنادي في الظلمات ، أعيدوا البوصلة إلى جهاتي كلّها كي تجدوني في حناجركم في زمن الدمّ الفائضِ ومواسم السفر الجماعيّ إلى المجهولِ ، ولدتُ فيكم من رحم المعاناة الأولى وها أنا ما زلتُ معكم في الحروب والهروب والأمكنة ألمع فيكم كالجوهر ، كالروحِ في الجسد المعلّق على صليب الغربة ، طاب مساءكم ، فتصبحون على "فلسطين".

باسل عبد العال

17/2/2013

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق