الجمعة، 4 سبتمبر 2015

الأبنودي فلسطيني الروح..!!





نودّعُ شاعراً جديداً ينضمُّ إلى كوكبة الشعراء الراحلين الذين صوّبوا شعرهم دوماً في سبيل الحب والحياة والحقيقة ، اليوم هو شاعر مصر بل شاعر فلسطين وشاعر الأمة العربية وشاعر الإنسانية "عبد الرحمن الأبنودي" يرحل عنّا ليسكن فينا ، في الغياب حضورٌ آخر ، في النقصان كمالٌ آخر ،  لم ينقص الشعر كثيراً إنهُ إكتمل بحضور الغياب ، يحضرُ الشاعر في وجدان قارئهِ ، يصير الشعر رؤية وواقع ملموس لشاعرهِ ومبدعهِ ، يصيرُ الشعر هو البديل النّاطقُ باسم صاحبهِ والمسؤول الأوّل عن معنى الغائب .
عبد الرحمن الأبنودي يرحل من هُناك ولكنّهُ مازال هُنا ،يكتبُ ، ويقرأُ ، ويستمعُ لنشيد الفقراء ، ها هو يتأمّلُ ذاتهُ فيهم ومن شرفة بيتهِ في " الاسماعيلية "  يتنفسُ هواء مصر اللطيف كأهلهِ ، عاش هُنا ومات هُنا وما يزالُ الشعر يناديهِ ، بدونك يا " خال " شحّ الماءُ في حدائق الكلام .
افتقدناكَ يا عاشق " فلسطين" وحبيبها ، أيُّها الفقير / الغنيّ / " السلس / الشرس " ، لم نلتق مرّةً في كتابٍ ولكن يكفيني بأنّي حين قرأتكَ رأيتُ وطني ، كم نحن فيك ، كم أنت فينا ؟ يا شاعر الزمن الصعب ، لكنّكَ لم تستسلم لهُ بقيت تُهدي في كلّ قصيدة وردة وسط ازدحام الموت ، وسط انكسار الصوت ،  فقد أديتَ واجب الشعر على أكمل وجه من الأغنية حتى الأغنية ، آمنتَ بسلاسة القول وقداسة المعنى ، فانتصرت ،  وتألقت في سماءنا الأرحب ، أحببت القدس أكثر ، كم غنّيتَ لها ودعوتها أن تنام في أحضانك مرة وغفوت معها على وسادة الكلمات والحياة ، نطقتَ باسم الفقراء كلّ الفقراء الذين لا تنبض القصيدة بدونهم لأنهم جسد القصيدة وروح القصيدة ودم القصيدة النابض ، هكذا سلك الشعر سبيلهُ معك وأدى واجبه الذي يجب أن يكون .
هكذا كُلّما ودّعنا شاعراً تحتارُ لغة الوداع فيهِ ، ماذا نقولُ لك يا صاحب القول كلّهُ ؟؟ ، انقرض الكلام ونحن ذهبنا للصمتِ لفسحةِ الشرود العاطفيّ على خسارتِنا ، كم خسرنا أجمل ما كان فينا ؟ هو الحاضر حاضرنا يا عبد الرحمن ، وهو الموت قدرُنا والمصير مصيرُنا حيث لا يبق منّا سوى الجوهر جوهر الإنسانيةِ الباقي .وداعاً نقولُ ونضيءُ شمعة في هذا الليل الرديء ، وداعاً نقولُ ولا نقولُ على شاعرٍ يولد الآن من أرض القصيدةِ للقصيدة. فلا تذهبْ بعيداً بعيدا.
دع اللغة هي التي تكمل فينا ما غابَ منكَ ، هل يموتُ الشعراء تماماً ؟؟ وهل يرجعون إلى الزمان يوماً ؟؟ هو اختبارُ الشعر وهو سؤال الشعر وحاجتنا منهُ ، اليوم سقطت زهرة من زهورهِ في طقسٍ غائمٍ وسط الوجوم السماويّ يا " خال" ، سقطت زهرة وتفتحتْ أخرى على جمال الطبيعةِ والرمز والفكرة ، رحل الضوء وبقي الحلم يؤدّي دورهُ وسيرتهُ في ما نشتهيهِ من غدِنا ، من هُنا صاح النشيد وابتدأت الأغنية من رحم القوم إلى قلب شاعرها . سنغلق هذا الرثاء ونعودُ إلى كلماتكَ لكي نحيا فيك من جديد .
سنغلق كلّ أبواب الحزن والدمعِ ونمنح الروح روحاً جديدةً وشعراً جديداً ستظلُّ أنت فارسهُ وحصانهُ الصاهل باسم الحب ، سنغلق كلّ أبواب الليل ونفتح نافذةً واحدةً تطلُّ عليكَ ، سنرمي لك وردةً حمراء من شرفات الأرض التي أحببتها ، سلاماً عليك  يا صاحب " حبيبتي فلسطين " ، كم تحبّك فلسطين من شرقها إلى غربها حتى حدود المخيم ، مثلنا ودّعت " سميح القاسم " بالأمس ، ها هي اليوم تودّعكَ فلسطينكَ على ايقاع الشهداء ، وداعاً يا شاعرنا وداعاً .


باسل عبد العال

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق