نودّعُ شاعراً جديداً ينضمُّ إلى كوكبة
الشعراء الراحلين الذين صوّبوا شعرهم دوماً في سبيل الحب والحياة والحقيقة ، اليوم
هو شاعر مصر بل شاعر فلسطين وشاعر الأمة العربية وشاعر الإنسانية "عبد الرحمن
الأبنودي" يرحل عنّا ليسكن فينا ، في الغياب حضورٌ آخر ، في النقصان كمالٌ
آخر ، لم ينقص الشعر كثيراً إنهُ إكتمل
بحضور الغياب ، يحضرُ الشاعر في وجدان قارئهِ ، يصير الشعر رؤية وواقع ملموس
لشاعرهِ ومبدعهِ ، يصيرُ الشعر هو البديل النّاطقُ باسم صاحبهِ والمسؤول الأوّل عن
معنى الغائب .
عبد الرحمن الأبنودي يرحل من هُناك ولكنّهُ
مازال هُنا ،يكتبُ ، ويقرأُ ، ويستمعُ لنشيد الفقراء ، ها هو يتأمّلُ ذاتهُ فيهم
ومن شرفة بيتهِ في " الاسماعيلية "
يتنفسُ هواء مصر اللطيف كأهلهِ ، عاش هُنا ومات هُنا وما يزالُ الشعر
يناديهِ ، بدونك يا " خال " شحّ الماءُ في حدائق الكلام .
افتقدناكَ يا عاشق " فلسطين"
وحبيبها ، أيُّها الفقير / الغنيّ / " السلس / الشرس " ، لم نلتق مرّةً
في كتابٍ ولكن يكفيني بأنّي حين قرأتكَ رأيتُ وطني ، كم نحن فيك ، كم أنت فينا ؟
يا شاعر الزمن الصعب ، لكنّكَ لم تستسلم لهُ بقيت تُهدي في كلّ قصيدة وردة وسط
ازدحام الموت ، وسط انكسار الصوت ، فقد
أديتَ واجب الشعر على أكمل وجه من الأغنية حتى الأغنية ، آمنتَ بسلاسة القول
وقداسة المعنى ، فانتصرت ، وتألقت في
سماءنا الأرحب ، أحببت القدس أكثر ، كم غنّيتَ لها ودعوتها أن تنام في أحضانك مرة
وغفوت معها على وسادة الكلمات والحياة ، نطقتَ باسم الفقراء كلّ الفقراء الذين لا
تنبض القصيدة بدونهم لأنهم جسد القصيدة وروح القصيدة ودم القصيدة النابض ، هكذا
سلك الشعر سبيلهُ معك وأدى واجبه الذي يجب أن يكون .
هكذا كُلّما ودّعنا شاعراً تحتارُ لغة الوداع
فيهِ ، ماذا نقولُ لك يا صاحب القول كلّهُ ؟؟ ، انقرض الكلام ونحن ذهبنا للصمتِ
لفسحةِ الشرود العاطفيّ على خسارتِنا ، كم خسرنا أجمل ما كان فينا ؟ هو الحاضر
حاضرنا يا عبد الرحمن ، وهو الموت قدرُنا والمصير مصيرُنا حيث لا يبق منّا سوى
الجوهر جوهر الإنسانيةِ الباقي .وداعاً نقولُ ونضيءُ شمعة في هذا الليل الرديء ،
وداعاً نقولُ ولا نقولُ على شاعرٍ يولد الآن من أرض القصيدةِ للقصيدة. فلا تذهبْ
بعيداً بعيدا.
دع اللغة هي التي تكمل فينا ما غابَ منكَ ،
هل يموتُ الشعراء تماماً ؟؟ وهل يرجعون إلى الزمان يوماً ؟؟ هو اختبارُ الشعر وهو
سؤال الشعر وحاجتنا منهُ ، اليوم سقطت زهرة من زهورهِ في طقسٍ غائمٍ وسط الوجوم
السماويّ يا " خال" ، سقطت زهرة وتفتحتْ أخرى على جمال الطبيعةِ والرمز
والفكرة ، رحل الضوء وبقي الحلم يؤدّي دورهُ وسيرتهُ في ما نشتهيهِ من غدِنا ، من
هُنا صاح النشيد وابتدأت الأغنية من رحم القوم إلى قلب شاعرها . سنغلق هذا الرثاء
ونعودُ إلى كلماتكَ لكي نحيا فيك من جديد .
سنغلق كلّ أبواب الحزن والدمعِ ونمنح الروح
روحاً جديدةً وشعراً جديداً ستظلُّ أنت فارسهُ وحصانهُ الصاهل باسم الحب ، سنغلق
كلّ أبواب الليل ونفتح نافذةً واحدةً تطلُّ عليكَ ، سنرمي لك وردةً حمراء من شرفات
الأرض التي أحببتها ، سلاماً عليك يا صاحب
" حبيبتي فلسطين " ، كم تحبّك فلسطين من شرقها إلى غربها حتى حدود المخيم
، مثلنا ودّعت " سميح القاسم " بالأمس ، ها هي اليوم تودّعكَ فلسطينكَ
على ايقاع الشهداء ، وداعاً يا شاعرنا وداعاً .
باسل عبد العال
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق